أنا والصرصار
هو يتحدانى. أنا
واثق من هذا. رغم أنه لم يواجهنى ويكتفى بالوقوف ساكناً مولياً ظهره إياى, لكنى
واثق أنه يتحدانى. وإلا فلم اختار أن يقطع طريقى أنا, فى هذا المكان وفى هذا الوقت
وبهذه الصفاقة؟؟ هل تتبعنى, أم كان قابعاً هنا كل هذا الوقت ينتظر الفرصة
المناسبة؟ هو يعلم بالتأكيد أن أفضل فرصة له هى الآن وأنا صاعد إلى شقتى على السلم
بدلاً من المصعد الكهربائى كعادتى, لكن كيف عرف, من بلّغه؟ خصوصاً أن الكهرباء
ليست مقطوعة, أنا فقط آثرت السلامة بدلاً من أن أحبس ساعة فى الظلام معلقاً بين
السماء والأرض. قد يكون هناك من خاننى وبلغه. البوّاب؟ أو فريق مراقبة وتتبع؟ لا,
هو يعمل منفرداً, غطرسته وثقته توحى بهذا, وبغض النظر عن آليته فى الاستطلاع
فالأكيد أنى فى مواجهة داهية لا يستهان به, فكيف تفسر أنه اختار هذا الدور
بالتحديد ليعد المواجهة؟ أنا أسكن فى الطابق الثامن وهو اختار الطابق السادس لإعداد
النزال, على السلم بحيث لا أستطيع التراجع إلى الخامس عندما يبدأ هجمته وهو مسيطر
على مدخل السادس. ليس هذا فقط, فالطابق السادس هو قمة الشعور بالتعب واليأس؛ النفس
مقطوع, الأرجل متعبة والدور الثامن ما زال يبدو بعيداً. هو حقاً داهية, التسرع لن
يكون فى صالحى.
الثوانى تمر
والمؤامرة تزداد تعقيداً وكثافة كلما تضح أمامى عناصرها. أولاً كما ذكرت, الكهرباء
ليست مقطوعة ورغم هذا نور السلم لا يعمل فى أى من الأدوار وأنا فى طريق الصعود. هى
حرب نفسية اذاً, وأصابع الإتهام تشير إلى تواطؤ البوّاب. ليس هذا فقط,
لكن...مهلاً, ما هذا؟ هذا الذى أمامى ليس من النوع المعتاد ولا حتى النوع الأمريكى
المستخدم فى مثل هذه العمليات, لا أرى له قرون استشعار. هل يرتدى خوذة للحماية أم
أنه يعتمد على وسائل تكنولوجية معقدة لم يتم الكشف عنها من قبل؟؟ ولونه, أسود قاتم
غير البنى المنتشر فى بنى جنسه الذين يعيثون فى خراباتنا وبلاعتنا فساداً. هل هى
ألوان الحرب, أم أن هذا نوع خاص لا يظهر إلا فى مثل هذه العمليات الإنتحارية,
بلونه الأسود والخوذة وأحدث ما أنتجته تكنولوجيا المعارك؟ سوبر صرصار...كوماندوز.
على أى حال,
عقارب الساعة تستمر فى الزحف وخصمى لا تبدو عليه أى علامة للتعب أو التململ. سوف
يكون عندى وقت كافى فيما بعد للكشف عن تفاصيل المؤامرة وسأنزل انتقامى على كل من
عمل ضدى , لكن الآن وقت العمل, التردد أو الانتظار سوف يكسبه ثقة فوق ثقته وأنا فى
غنى عن هذا. حان وقت التحرك.
هو يقف فى
منتصف السلم, إلى اليمين قليلاً, ظهره تجاهى ورأسه الخالية من قرون الاستشعار تنظر
فى الاتجاه الآخر. لكنه يقف بزاوية لليسار قليلاً تعطيه ميزة تغطية النصف الآخر من
السلم إذا ما قرر الإنقضاض. هذا بالإضافة للسُمك الغير طبيعى لأرجله الخلفية, فهو
غالباً ينوى أن ينتظر حتى أمر بجانبه ثم ينقض هو على من الخلف. لكن لا, لن ينال
منى, أنا لن أمشى من جانبهز سوف أقفز من فوقه, أبناء جنسه لا يستطيعون القفز لأعلى
مباشرةً. لكن مهلاً, هل يمكنه الطيران؟! مثل هذا الكوماندو يجب تغطية كل
الاحتمالات معه.
قوات المساندة
تأتى, هناك نور أبيض يتحرك خلفى صاعداً السلم, أدور فى حركة سريعة حتى لا تتم
مباغتتى,
"سلامو
عليكو يا أستاذ محمد", قالها جارى فى الدور الثامن, الأستاذ مُسعَد, وهو
يلاحق أنفاسه المتقطعة.
"وعليكم
السلام يا أستاذ مُسعَد", قُلت حذراً.
"النور
قطع تانى, خامس مرة النهاردة, وربنا ستر انه قطع وأنا إيدى على باب الأسانسير, آه
والله يا أستاذ محمد"
وقبل أن أحذره
من عدو البشر المتربص فى الظلام, كان الأستاذ مُسعَد قد مر منى ولم أعد أستطيع
رؤية الصرصار. ثم دوّى الصوت حولنا مقاطعاً صوت أنفاس الأستاذ مُسعَد الثقيلة, لكن
الأستاذ مُسعَد لم يُعِره انتباهاً, فقط استمر فى الصعود مخلفاً وراءه بقعة سوداء
لزجة وبقايا نِد يستحق التقدير. أحنيت رأسى وأنا أمر بجانب بقايا المعركة وأنا
أفكر كيف ومتى ستكون العملية الانقامية, ثم رفعت عيناى وحمدت الله على أنى أسكن فى
الثامن مع الأستاذ مُسعَد.
بقلم:
محمد رفعت
No comments:
Post a Comment